26 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | لم تكن وهماً

إيقاع مختلف | لم تكن وهماً

(أرشيف المشهد)

28-1-2015 | 21:48

تمر اليوم سنوات أربع على المعجزة المصرية التى أدهشت المصريين أنفسهم، قبل أن تدهش بهم العالم من حولهم، تلك اللحظة الاستنثائية التى عثر فيها المصيرون على المعجزة الساكنة فى أنفسهم، حين أصبحت أبعد الأشياء على الإطلاق أقربها، فصارت الأحلام حقائق، وصارت المستحيلات ممكنة

واليوم، أشعر أن فى داخلى صرخة تود أن تنطلق فى وجه أولئك الذين يتحدون عن ورة يناير باعتبارها وهماً عابراً فى حياة المصريين، عادت بعده الحياة إلى وطأتها، وعاد بعدها الواقع إلى ثقله وكآبته، أود أن أصرخ فى أوجههم جميعل: لا ، لا، لم تكن وهماً،

ثورة الخامس والعشرين من يناير هى ذلك المستحيل الذى صار حقيقة ملموسة باليد، هى الدرس الذى علمه المصريون لأنفسهم قبل أن يعلموه للعالم، كانت واحداً من التجليات المدهشة للشخصية المصرية التى تستكين حتى تظنها خامدة، ثم تفاجئك بفورتها وثورتها وبركانها من حيث لا تدرى، وعلى حين لا تدرى.

على أن ثورة يناير تختلف عن ثورات مصر كلها فى أن المصريين خلالها استطاعوا أن يتعاملوا مع الأفكار دون أن تتجسد فى أشخاص، بمعنى أن الثورة العرابية تجسدت فى عرابى ورجاله، وثورة 19 تجسدت فى سعد زغلول ورفاقه، وثورة يوليو تجسدت فى عبد الناصر ورجاله، أما ثورة يناير فتجسدت فى المصريين أنفسهم بعيداً عن أى تشخيص أو تجسيد.

وهذه كانت ميزة كبرى لأنها لم تربط الأفكار بأشخاص يمكن أن تسقط بسقوطهم أو أن تغيب بغيابهم.

يتصور البعض أن الثورة تم تبريدها أو اختزالها أو حتى وأدها، وهذا غير صحيح على الإطلاق فقد انهارت مجموعة قيم سلبية كانت تسكن الشخصية المصرية: أولها جدار الخوف، وثانيها الاستسلام للفساد والإقرار به كأمر واقع، وثالثها لون من اعتياد هذا الفساد وكأنه قدر مقدور، ورابعها الإحساس بأن البلد ليس بلد المصريين وإنما هو بلد مجموعة بعينها لا يمكن استعادته منهم.

كل هذه القيم السلبية سقطت مع الثورة وما كان لها أن تقوم مرة أخرى أبداُ.

إذا سألنا أنفسنا : أين نحن من الثورة الآن، فإننى أرى أننا بحاجة إلى أن نستحضر وهجها الفكرى والشعورى، وألا نسمح لأحلام المصريين خلالها بأن تختصر. وأن تظل شعارات : العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ماثلة فى الأذهان ومتحققة فى السياسات.

مطلوب الآن : أن يتم الحفاظ على أفق الحرية الذى تم اكتسابه وأن يتم تعظيم هذا الهامش، فإذا كنا نرحب بأن تقوى الشرطة المصرية لكى تنهض بواجباتها، فإننا لا نقبل أن يصاحب هذه القوة أى لون من القهر أو التضييق أو كبت الحريات على المستويين المادى والمعنوى، وإذا كنا نقف صفاً واحداً فى مواجهة أى عمل إرهابى، أو جريمة فى حق الوطن وأبنائه، فإننا لا نقبل أن يكون فى مصر معتقل واحد بسسبب رأى يجهر به أو فكر يعتنقه، ولا يمكن أن تتحول تهمة الإرهاب إلى عصاً غليظة تهوى على رأس من يرفع صوته برأى مخالف أو بكلمة ناقدة، ولا أن تتحول هذه التهمة إلى وسيلة للنيل من برىء واحد.

مطلوب الآن: أن يتم تثوير الحياة الثقافية والمؤسسات الثقافية، وأن يتم محو ما سمى بتدجين المثقفين وإدخالهم الحظيرة، لأن الحفاظ على حرية الكلمة المبدعة هو حفاظ على القيم الكبرى فى المجتمع: حق وخير وجمال وعدل ومساواة وحرية.

تثوير الثقافة يعنى تغيير السياسات الفاسدة والسياسات الكسيحة والقيادات الفاسدة والقيادات الهزيلة والتأكيد على أن  الثقافة فيما بعد يناير ينبغى أن يقوم عليها مثقفون حقيقيون يمثلون هذه الثورة وينتهجون سياسات ثقافية تحطم كل الأصنام التى صنعها النظام قبل الثورة وتطيح بكل المفاسد التى شوهت وجه الشخصية المصرية وذهبت بها إلى ذيل القائمة، بينما مكانها الحقيقى فى المقدمة.

مطلوب: إغلاق كل الأبواب أمام عودة الوجوه القديمة أو السياسات القديمة التى قامت الثورة من أجل الإطاحة بها، لأن صناع الفساد لايمكن أن يكونوا هم من يحقق أحلام الثورة أو مطالبها.

مطلوب الآن: إنصاف الشهداء والجرحى وأسرهم على المستويين الأدبى والأخلاقى من ناحية والمادى من ناحية أخرى ليعود إليهم اعتبارهم خاصة بعد محاولات البعض النيل من ثورة يناير أو تشويهها.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان